النفط الصخري
ظهرت بوادر الشيخوخة .... النفط الصخري والواقع الجيولوجي
يكافح حقل باكين النفطي في نورث داكوتا، مهد الطفرة النفطية الأمريكية التي ظهرت قبل عقد من الزمن، للتعافي من انهيار السوق في العام الماضي حتى بعد الارتفاع الذي شهدته أسعار النفط الخام أخيرا ووصولها إلى 80 دولارا للبرميل.يعكس ذلك تباطؤا واسعا في نمو رقعة النفط الأمريكية حيث تواصل الشركات خفض الإنفاق في محاولة منها لإعادة توجيه المكتسبات المالية غير المتوقعة من الأسعار المرتفعة إلى المساهمين. لكن محللين يقولون إن حقل باكين يواجه مستقبلا قاتما بعد أعوام من التنقيب المكثف.
بحسب كلارك ويليامز ديري، المحلل في معهد اقتصاد الطاقة والتحليل المالي، منتجو النفط في باكين يواجهون الآن "الواقع الجيولوجي"، لأنه وبعد عقد من التطور السريع فقد "تم حفر معظم أفضل الآبار"، مضيفا "أن ذلك يساعد على إيضاح السبب خلف موت هذه الصناعة في باكين على نحو ما."
قال إن العدد المتضائل من الآبار عالية الجودة المتبقية للحفر - التي بإمكانها أن تنتج كميات كبيرة من النفط بتكلفة منخفضة نسبيا - يجعل من الصعب على المنتجين في حقل باكين أن يعودوا بالإنتاج إلى مستويات ما قبل الجائحة.
أضاف أن الآبار الجيدة التي يمكن مقارنتها بأفضل مواقع الحفر اليوم من الممكن أن يبدأ إنتاجها في التراجع خلال عامين، وأن "يبدأ السقوط من الهاوية فعليا" في منتصف هذا العقد.
أدى ارتفاع إنتاج النفط إلى تغيير منطقة داكوتا الشمالية خلال العقد الماضي. فمع تجاوز إنتاج النفط الخام في المنطقة إنتاج عديد من أعضاء منظمة أوبك، تم ضخ مليارات الدولارات في خزائن الحكومة المحلية وجذب جيش من العاملين من جميع أنحاء البلاد للعمل في حقول النفط.
لكن تراجع سوق النفط في العام الماضي كان له أثر في حقل باكين بشكل خاص. فقد تعين إيقاف تشغيل نحو 40 في المائة من إنتاج الحقل عندما ضربت الجائحة وتبخر الطلب على المحروقات. ثم تعافى تدفق النفط بسرعة مع عودة الآبار إلى الإنتاج في أواخر العام الماضي حين عاد الطلب إلى الارتفاع مرة أخرى.
لكن الانتعاش كان بطيئا هذا العام، وفشل الإنتاج في استجماع قواه حتى مع تجاوز أسعار النفط الخام مستوى 80 دولارا للبرميل، وهو ارتفاع كاف لجعل معظم الآبار مربحة.
يوجد الآن تقريبا نصف عدد الحفارات التي كانت موجودة في 2019، بينما يراوح الإنتاج اليومي حول 1.1 مليون برميل، وهو أقل كثيرا من ذروته قبل الجائحة التي بلغت 1.5 مليون برميل.
هذا الانتعاش البطيء في باكين ألقى بثقله على الإنتاج الأمريكي الواسع، الذي لا يزال يدور حول مليوني برميل يوميا وهو مستوى أقل كثيرا من ذروة بلغت 13 مليون برميل في 2019، على الرغم من ارتفاع الاستهلاك مرة أخرى إلى مستويات ما قبل الجائحة. وقد أسهم ذلك في دفع أسعار النفط الخام العالمية نحو الارتفاع.
قال ستيف ديدريتش، نائب رئيس شركة إنفيروس للاستشارات، "لم يعد أحد يرى في حقل باكين محركا للنمو بعد الآن".
إضافة إلى تراجع الآمال في إنتاج الآبار عالية الجودة، أدى استمرار ارتفاع مستوى الاحتراق - عند إحراق الغاز الطبيعي غير القابل للتسويق في مواقع الآبار - إلى دفع بعض المشغلين إلى الابتعاد عن العمل في هذا الحوض.
أشار ديدريتش إلى أن شركة إكوينور النرويجية الكبرى للنفط، مثلا، باعت أعمالها في باكين في وقت سابق من هذا العام. قال، "أسهل طريقة لتنظيف ملف الانبعاثات الخاص بك هي التخلص من أقذر الأصول لديك".
دفع ارتفاع أسعار النفط إدارة بايدن إلى دعوة الدول الأعضاء في أوبك بلس والشركات الأمريكية لزيادة الإنتاج من أجل المساعدة على خفض أسعار البنزين التي وصلت في محطات المحروقات في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى لها منذ 2014 ـ وتقترب من هذه المستويات القياسية نفسها في أجزاء أخرى من العالم.
قال رون نيس، رئيس مجلس نورث داكوتا بتروليوم كاونسل، وهي مجموعة صناعية، "أشك في أننا سنشهد زيادة في الإنتاج" بحلول أوائل 2022، ويرجع ذلك جزئيا إلى الارتفاع الذي تشهده الأسعار.
في المقابل، قال توني باريت، نائب رئيس عمليات التنقيب في شركة كونتيننتال ريسورسز، أكبر الشركات المنتجة في حقل باكين، إن المنطقة لا تزال في "المراحل الوسطى" من تطورها وإنه يرى فرصة لمزيد من النمو في المنطقة.
لكن توجد بعض الإشارات التحذيرية حول مستقبل باكين مع بدء بعض أكبر المستثمرين في المنطقة في تحويل مواردهم إلى حقول نفطية أخرى. فقد أنفقت شركة كونتيننتال، المملوكة لرجل النفط الملياردير هارولد هام، وهو مؤيد بارز للرئيس السابق دونالد ترمب، 3.25 مليار دولار هذا الشهر لشراء أراض من شركة بايونير ناتشورال ريسورسز في حوض بيرميان الذي تمتد رقعته في ولايتي تكساس ونيو مكسيكو.
لكن باريت قال لـ"فاينانشيال تايمز"، "ليس صحيحا على الإطلاق"، أنهم أبرموا الصفقة بسبب نقص المخزون في باكين، مضيفا أن الشركة بإمكانها تمديد عملها لعقد آخر من دون الحاجة إلى أصول بيرميان.
مع ذلك، الصفقة تعكس تحولا أوسع في الإنفاق والنشاط الصناعي يتمثل في الابتعاد عن مناطق النفط الصخري المتقادمة مثل باكين، والاتجاه نحو حوض بيرميان الذي ينظر إليه المستثمرون على أنه محرك النمو الأكبر بالنسبة للشركات.
شركة كونوكو فيليبس، وهي من المنتجين الرئيسين في باكين، أنفقت نحو 20 مليار دولار خلال العام الماضي للتأسيس لأعمالها في بيرميان، بما في ذلك شراء أصول رويال داتش شل مقابل 9.5 مليار دولار. وقد أخبر تيموثي ليتش، نائب رئيس الشركة، المحللين في وقت سابق من هذا الشهر أن باكين كان "الهضبة المثلى" لهم.
قال ويليامز ديري، من معهد اقتصاد الطاقة والتحليل المالي، "يبدو الأمر كما لو أن الأشخاص الذين يعملون في باكين لا يشعرون بثقة كبيرة فيه. الصناعة باتت تركز بشكل أكبر على مناطق أخرى في الولايات المتحدة، ولا سيما منطقة بيرميان. أي الأماكن التي لا تواجه مثل هذا التدهور السريع في جودة النفط".
تعليقات